الاولاد كبروا وتزوج كل منهم وصار له بيته الخاص..وصار لديهم الوف الاهتمامات والمشاغل بعيدا عن الابوين الذين كان في انتظارهما اشياء كثيرة ..
الصمت ..والهدوء ..وعاصفة الذكريات كانت هي المناجي الوحيد للابوين الذين احسا للمرة الاولى انها معا ..وانها لبعض ..
وان في الامكان ان يعيشا الان بلا ضوضاء وبلا مشاكل .
وعلى الرغم من ان يصبح ضربا من الذكرى الطيبة التي لانجد وقتا للاستمتاع بها لان المشاغل والهموم تجعل منه ممارسة تاتي في المرتبة الثانية ..أما الان ...فكل شيء متاح ...
الاستماع الى ملايين الحكايات والقصص المعادة التي تبدو كانها جديدة ...ليعاتب احدهما الاخر بعد كل حكاية ..
لم لم تخبرني في حينها؟
لقد اخبره ونسيها أو أخبره ولكنه لم يعره انتباهه في حينها ..اما اليوم فكل شيء يبدو هادئا منسجما ...حتى دجاج البيت الذي يتنافس على الديك الوحيد يبدو اليوم من صنف آخر ..من غير تلك السلالة التي سكنت المنزل لاجيال وتوارثت الحب والتفريخ ..الحياة تبدأ من جديد مع الخمسين ..هكذا كان يقول لها ليطمئنها ان الخريف فصل لم يأت بعد .. بدورها كانت تعد له اكلات ايام زمان التي منعها عنه السكري وضغط الدم وقرحة المعدة والقولون وهي تردد ان الحب يتجدد ..ينزع اسماله القديمة مثل الحيات ..يسبت ولكنه لايموت ..
ربما يكون الفراش هو المكان الوحيد الذي يعرفان فيه انهما لم يعودا شابين !!!..ولهذا كانا يثرثران بكثرة حتى يدركهما النوم ...
في ذلك اليوم الخريفي المزعج ..استيقظت الزوجة باكرا كالعادة لتسقي الحديقة ..وتروي ازهاره الصيفية التي يحبها ..قطفت احدى الازهار الصيفية ومضت لتهديها للحبيب الذي بدا كما لوكان في العشرين من العمر ..داعبت ارنبة انفه وهي تدعوه للاستيقظ لكنه لم يجب ..لم يتحرك ..
في المستشفى الذي نقل اليه الاب وفي صالة الانتظار حيث تحلق الابناء واحفادهم وزوجاتهم حولها ..كانت صامتة ..مذهولة ..مصدومة من هذا الذي حدث فسرق ابتسامة صباحها الذي لم تعرف مثله منذ زمن ..
/الحاج توفي ....هكذا قال الطبيب وهو يمضي بلا مبالاة ..
في بلد يموت فيه المئات من الشباب يوميا يصبح موت الشيوخ والعجائز اشبه بفاصل اعلاني لايعبا به احد ..لكنها كانت تشعر بشكل مختلف..فالخريف الذي حمله على ذراعيه ومضى بصمت وبلا ألم سيكون شتاءا كئيبا لاوجود فيه الا للاشباح المرعبة والجنون ...ولهذا قررت ان تغادر معه ..دخلت الى غرفته ..امسكت بيدة وضعتها على خدها ..ثم اغمضت عينيها ..
وبهدوء امراة عجوز حالمة فقد رحلت بهدوء لم ينتبه لها احد وهي تطارد فراشات حلم جميلة معه في حديقة الكلية التي تعرفت فيها عليه للمرة الاولى
آخر مواضيعي
0