نبذة النيل والفرات:
إن موضوع "تأسيس الجيش العراقي وتطور دوره السياسي فيما بين سنتي 1921-1941" واحد من الجوانب البارزة من تاريخ العراق الحديث التي بغيرها تبقى مسألة فهم تاريخ العراق الحديث قاصرة. ففي بلدان العالم الثالث تشكل الجيوش باستمرار عاملاً أساسياً في التقدم الاجتماعي إضافة إلى دورها العسكري في حفظ السيادة الوطنية والقومية ولأنها القوة الوحيدة المنظمة فإن الجهود الاستعمارية عملت باستمرار على تجريدها مما يمكن أن تمثله في حياة شعوبها غير أنها لم تستطع. واستعراض بسيط لتاريخ العالم الثالث يعطينا بوضوح دلائل كافية على دور الجيوش في التقدم ودورها في تحقيق استقلال أقطارها.
والجيش العراقي أحد جيوش العالم الثالث، الذي كان منذ البداية، على الرغم من ظروف تشكيله والضغوط التي تعرض لها والمكائد التي أحاطت تطوره، قوة وطنية نمت وشبت على أساس حب الوطن وهكذا كان تاريخه السياسي.
وانطلاقاً من حساسية هذا الموضوع فقد اعتنت الدكتورة "رجاء حسين الخطاب" بدراسة تاريخ هذا الجيش مختارة الفترة بين تأسيس الجيش وثورة مايس 1941 مادة زمنية لدراستها، وذلك لأن الجيش العراقي بحسب قولها قد شهد في هذه الفترة محاولات السيطرة البريطانية لإفراغه من محتواه إلى لعبة الانقلاب وتصفيته من خلالها، غير أن رد الجيش كان التوجه لتعزيز ارتباطه بالحركة الوطنية عبر تنظيم سياسي واسع، محور قوته الجيش، ذلك التوجه الذي تعرج بثورة مايس 1941.
ولتحيط الباحثة بكافة جوانب دراستها فقد عمدت إلى تقسيمها على خمسة فصول: بحثت في أولها موضوع تأسيس الجيش العراقي ومبررات تأسيسه ثم تطرقت إلى موقف بريطانيا في إعاقة توسيع الجيش، عندما وجهت جهودها نحو تحقيق الموازنة بين بناء الجيش العراقي وتأمين ولائه للنظام، وعدم تهديده مصالح بريطانيا في العراق، ولذلك فرضت بريطانيا إشرافها على الجيش العراقي ووقفت ضد فكرة التجنيد الإجباري وبذلت جهوداً واسعة للحصول على سلطات إجرائية للبعثة العسكرية البريطانية للسيطرة على الجيش العراقي الذي اتجه إلى مناهضة بريطانيا، وبخاصة الكتلة القومية التي أوضحت مبادئها في الميثاق القومي سنة 1927 والذي كان أهم بنوده القضاء تدريجياً على نفوذ الإنكليز في الجيش، ولذلك وبسبب توقع اكتشاف النفط استمرت بريطانيا على موقفها المعارض للتجنيد الإجباري ولم تغير من واقع الإشراف البريطاني على الجيش العراقي شيئاً وقد استمرت هذه الحال إلى سنة 192 حين دخل العراق عصبة الأمم.
وتطرقت في الفصل الثاني إلى توسع الجيش العراقي واتجاهاته وبينت أن الحكومة العراقية اتجهت إلى الاهتمام بالجيش وتوسيعه حتى أصبح ذلك مادة أساسية دائمة في جدول أعمال الوزارات للفترة من 1935-1939 وتطرقت إلى تشكيل القوة الجوية ومدى اهتمام كل من الحكومة والشعب في أمر تقويتها، وبحثت أيضاً مسألة تسليح الجيش العراقي والدول التي كان العراق يتعامل معها لتسليح الجيش. ثم تطرقت إلى الحديث عن الكلية العسكرية وتأليف نواة الأسطول النهري.
أما الفصل الثالث فقد خصصته لدراسة "التجنيد الإجباري والتركيب الاجتماعي للجيش العراقي باعتباره شكلاً من أشكال الصراع العراقي البريطاني". فبحثت في التجنيد وكيف ابتدأ على أساس التطوع الذي لم يرض الحكومة العراقية التي كانت ترغب في أن يكون التجنيد إلزامياً، ووضحت موقف بريطانيا المعارض لإصدار قانون الدفاع الوطني وتأثيرها على موقف جيران العراق، ثم بينت موقف كل من بريطانيا، وفرنسا، وجيرانها والاتحاد السوفيتي من الحكومة العراقية عند إصدارها قانون الدفاع الوطني. كما بينت موقف الشعب العراقي من التجنيد ثم بحثت في هذا الفصل التركيب الاجتماعي للجيش العراقي ضباطاً وجنوداً من الناحية القومية والدينية والحضارية على قدر المعلومات المتوفرة.
في الفصل الرابع بحثت في "الدور السياسي للجيش العراقي من سنة 1921-1937" وتطرقت في هذا الفصل إلى الدور السياسي للجيش العراقي حيث شهدت هذه الفترة ظهور أول التحركات السياسية داخل الجيش العراقي، كما أوضحت بأن قسماً من الضباط اشتغلوا بالسياسة وشكلوا كتلاً سياسية سرية داخل الجيش وأهمها: 1-كتلة الضباط القوميين، 2-كتلة بكر صدقي، 3-كتلة توفيق حسين.
ثم بينت في هذا الفصل تنامي الدور السياسي للجيش العراقي بعد القضاء على تمرد النساطرة سنة 1933 وقد ساعد ذلك على تقرب السياسيين المدنيين من الجيش بعد أن أصبح قوة ذات حسم في الأوضاع ومحاولة استخدامه في تحقيق مصالح الطبقة السياسية التقليدية، وبحثت دور الجيش في قلب حكومة ياسين الهاشمي، الذي تم نتيجة التقارب بين كتلة بكر صدقي وجماعة الأهالي.
وفي الفصل الخامس تناولت بالبحث "الدور السياسي للجيش العراقي من سنة 1937-1941". الذي اتسم بسمة الصراع بين توجه بريطاني خفي إلى تشجيع الانقلابات وحرص من الجيش على مبدأ الثورة، وتطرقت للدور السياسي للجيش العراقي بعد اغتيال بكر صدقي وأوضحت موقف الجيش من حكومة جميل المدفعي وإسقاطه لوزارته تعبيراً عن عدم رضاه على صيغ المعالجة لنتائج انقلاب بكر صدقي ولرفضه سياستها القائمة على شق الجيش. ثم بينت موقف بريطانيا من تطور الدور السياسي للجيش العراقي.
وتطرقت لذكر أهم التحركات العسكرية لقلب الوزارات العراقية كمحاولات لجر الجيش إلى لعبة الانقلابات وكيف اتجهت بريطانيا إلى القضاء على كل ما يمكن أن يساعد كتلة الضباط القوميين في تعزيز الاتجاه القومي وتحويله إلى موقف واع منتظم للشعب والجيش فبعد انقلاب بكر صدقي ومساهمته في إشاعة الفرقة وتقليص الدور القومي للعراق قتل الملك غازي وبوشر بسياسة تفرقة الجيش، ثم بينتها كيف ازداد هذا الصراع ضراوة بعد نجاح الكتلة القومية بقيادة الجيش والتقاءها مع رشيد عالي الكيلاني الذي تولى رئاسة الوزارة مما أثار بريطانيا ضد حكومة الكيلاني كما استاءت منها الكتلة المؤيدة لبريطانيا وعلى رأسها نوري السعيد وعبد الإله، وكان نتائج هذا الموقف المتوتر استيلاؤهم على السلطة وهروب عبد الإله إلى البصرة. ثم بحثت حركة مايس ودوافع هذه الحركة المباشرة وغير المباشرة وتطور الثورة الذي أدى إلى الاشتباك مع الإنكليز، ثم توقفت عند أسباب إخفاق الثورة وكيف أن بريطانيا أدركت النتائج الخطرة للثورة فيما لو وقعت في وقت يقترب فيه الألمان في المنطقة فعملت على استعجال الصراع ودفع كتلة الضباط القوميين إلى واجهة السلطة قبل نضج سيطرتهم الطبيعة وقبل أن يصبح الألمان قادرين على تقديم مساعدة حقيقية للثورة. ثم بحثت نتائج الإخفاق التي كان في مقدمتها إنهاء الدور السياسي للجيش العراقي وتعطيله إلى سنة 1958 حيث قامت ثورة 14 تموز.