ذو النواس الحِميَّري ومحرقة المسيحيين[عدل]
يوسف أسأر [141]
كانت اليمن في أيام الحميريين تجمع الكثير من الديانات منهم من بقي على الوثنية وكان للمسيحيين وجود وكانوا ملوكا على حمير بلإضافة لوجود يهودي قوي فاليهود إن لم يكونوا ملوكا فإن بعض الأشراف وأقيال القبائل كان يهوديا بلا شك. مثل النص الذي دونه شخص يدعى "شِهر" :"تبرك سم رحمن ذو سمين ويسرائيل وإلهمو رب يهود ذي حرض بدهمو شهرم" وترجمة النص :" تبارك اسم رحمن صاحب السماء إله إسرائيل رب يهود الذي ساعد عبده شِهر" [142]
وورد نص يشير إلى استقلال القبائل نماء روح العصبية والتحزب القبلي التي لاتعرف مصلحة سوى مصلحة القبيلة. فورد عن حروب بين كندة ومذحج وأرحب و"ثعلبن" (وقد تكون ثعلبن هذه هي المقصود بها دوس ثعلبان الواردة في كتب الإخباريين [143]) ومضر [144] في عهد ملك يدعى "معد يكرب يعفر" [145] يرجع الباحثون تاريخ النص المسندي إلى سنة 516 للميلاد [146] ذكر أهل الأخبار أن ملكا يدعى "لخيعة ينوف ذو شناتر" كان قبل ذو نواس ولم تكتشف كتابة بخط المسند تشير إلى ذلك ولا إلى "ذو نواس" بهذا الاسم. فقد ورد اسمه بصيغة "يوسف أسأر" أو "يوسف آزار" [147] لاتوجد إنجازات في عهد يوسف وكل الوارد عنه تحامله على المسيحيين فقد كان ملكا محاربا وقاسيا ولم يبدي شفقة أو تساهل اتجاه أعداء حِميّر. بل أورد السريان قصة أنه أرسل وفدا إلى الحيرة يطلب من ملكها الإقتداء به وقتله المسيحيين في العراق كون المناذرة حلفاء للفرس الذين كانت لهم علاقات جيدة بالحميريين وعداوة وإقتتال مع الرومان [148] وهناك اعتقاد أن الرسالة ملفقة وتعكس أحقاداً مسيحية على اليهود [149]
ورد اسم يوسف بدون لقب ملكي طويل مكتفيا بلقب "ملك يوسف أسأر" فقد كان أقيال القبائل ينافسونه السلطان وإستغل الأكسوميين هذا الوضع وأعلنوا دعمهم للمسيحيين في نجران وشن يوسف أسأر حملات على مراكز المسيحيين وإستطاع أن يجمع جمعا من القبائل كانت فروعاً من كل من خولان وكندة ومذحج وهمدان وبضعة بيوت وأقيال من حمير وتحديدا من بيت "ذو يزأن" ومنهم الملك شبه الأسطوري سيف بن ذي يزن بلا شك [150]
رسم أرثوذكسي لأسقف نجران الذي قتله ذو نواس عام 524 [151]
ترأس زعماء بيوت حميرية رؤوس جيش ذو نواس ذكرت أسماء بعض منهم [152][153] :
"شرح إيل ذو يزأن" (شراحيل ذو يزأن) ممايعني أنه كان قيلا على بيت ذو يزن الحميري.
"شرحب إيل (شرحبيل) يكمل"
"شميفع أشوع"
شرح إيل (شراحيل) يقبل
شرحب إيل (شرحبيل) يكمل
شرحبيل أسعد
معاوية بن والعة
نعمة بن مالك
تميم يزيد رئيس بيت "لحيعة ذي جدن"
الملك جستنيان الأول
شنت القَبائل الموالية ليوسف حملات على القبائل والأقيال المسيحيين المناوئين له والمعاونين للأحباش في مشهد يوضح مدى تردي الأوضاع في اليمن وتنامي روح القبيلة التي لاتعرف إلا مصلحتها ولو على حساب استقلال وطنها من عنصر أجنبي غريب. حاول يوسف الحفاظ على استقلالية بلاده ووحدة قبائله وبلغ ذلك منه أنزل والقبائل التي تبعته خسائر ومجازر بالمسيحيين والأحباش في ظفار يريم حيث قتل ما يقارب ثلاثة عشر ألف منهم وهدم "قلسن" وكلمة قلسن أو القليس تعني كنيسة بلسان الحميريين وسحق قبائل الأشاعرة المعاونة للأحباش ثم توجه إلى نجران وقتل هناك ما يقارب إحدى عشر ألف قتيل وهدم الكنيسة المتواجدة هناك ولم يكتشف حتى اللحظة كتابة مسندية تشير إلى حريق باستثناء كتابات السريان والبيزنطة وهي كتابات وإن غلب عليها التعاطف مع المسيحيين إلا أنها تحكي مايدعم الوارد في نقوش عن قسوة يوسف أزار وأفعاله بحق المسيحيين [154][155] فقد ذكر شمعون الأرشمي أنه كتب الوقائع إستنادا على روايات شهود عيان رأوا الحميريين يجمعون النساء والأطفال والرهبان في كنيسة نجران وأحرقوا الكنيسة بمن فيها [156] النصان المكتشفان اللذان يشيران ليوسف لم يشيرا إلى مجازر في مأرب وحضرموت. ذكر النص مجازر في ظفار يريم والمخا ونجران المصادر التي تشير إلى مجازر في مأرب وحضرموت هي مصادر سريانية وبيزنطية [157]
حصن مارية
وقد يكون للوارد في كتب أهل الأخبار صحة لورود اسم "دوس ثعلبن" في عداد القبائل المعادية لذو نواس وقد أورد أهل الأخبار أن رجلا منهم ذهب إلى ملك بيزنطة طلبا للنجدة [158] أمد الملك البيزنطي جستنيان الأول كما ورد في كتاب المؤرخ بروكوبيوس المسيحيين بأسطول دخل اليمن عن طريق ساحلها الغربي وقتل ذو نواس في المعارك عام 525 - 527 وبذلك وضع المؤرخون نهاية مملكة حمير [159][160] أصبحت المناطق الغربية لجنوب شبه الجزيرة العربية مملكة تابعة لروما وعليها حميري يدعى شميفع أشوع سمى نفسه ملك سبأ. بعد مقتل يوسف، استقرت الأمور في السواحل الجنوبية الغربية للجزيرة وإستقل زعماء القبائل بإقطاعياتهم ومخالفيهم ولا بوادر أنهم خضعوا لشميفع أشوع أو أعترفوا به ملكاً عليهم وكان أشوع وأنصاره متحصنين في حصن مارية القديم بذمار. قام أحد زعماء القبائل المقربين من البيزنطة والمدعو "قيس" وكان كندياً من أقارب الحارث بن عمرو الكندي أو "آريثاس" كما ذكره البيزنطة بقتل أحد أقرباء شميفع أشوع ومع ذلك لم يثأر شميفع لقريبه وإنصاغ لشفاعة الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول بتعيين "قيس" أو "كايسوس" على قبيلة معد لحجم الدين الذي قدمه البيزنطة بتخليص مسيحيي جنوب الجزيرة العربية من يوسف أسأر الحِميّري [161] بالإضافة إلى حقيقة أن البيزنطيين أرادوا استغلال نفوذ حِميَّر على كندة والتي كانت هي بدورها مسيطرة على أجزاء واسعة من شبه الجزيرة لقتال الفرس [162] سقوط حِميّر أدى إلى استقلالية القبائل ولكن لم تكن القبائل مستفيدة فقد ضعفت مملكة كندة كثيراً وتأثرت بهذا السقوط [163]
ذكر المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس أن عدداً من الجيش البيزنطي ـ الأكسومي :"آثر البقاء في أرض الحميريين لإنها جيدة جدا " على حد تعبيره ولم يريدوا مغادرة اليمن[164] أحد هولاء كان أبرهة الأشرم أو "أبراهموس" (إبراهيم) الذي قام بقتل شميفع أشوع وأعلن نفسه ملكاً "بسم كرشتس وروحن قدس" (بسم المسيح والروح القدس). مقتل شميفع قاد لتمرد معد في فتوجه بنفسه لأراضيهم وأخذ أبنائهم ونسائهم رهائن مقابل الولاء [165] وإنتهزت قبائل أخرى مقتل شميفع لتعلن تمردها فقاد رجلان اسمهما "بشر بن حصن" و"أبو الجبر بن عمرو" حملة على مكان اسمه "تربة" قرب الطائف وكان الرجلان من كندة [166][167] ودونت كتابة بخط المسند تذكر عدد القتلى والغنائم والأسرى والأطفال الذين أخذهم من سكان الطائف مقابل الولاء [168]
كانت القبائل منقسمة وإستغل الأشرم الانقسام لصالحه وبالفعل فقد خرج زعيم من كندة يدعى "يزيد بن كبشت" في نصوص المسند (يزيد بن كبشة) ومعه ابن شميفع أشوع وأقيال من "مرثد بن بكل" (بكيل) و"ذو يزأن" (بيت ذو يزن) و"ذي معاهر" و"ذو خليل" لقتل أبرهة إلا أن أقيال حضرموت وهمدان و"ذو رعين" (يافع) و"أشعرن" (الأشاعرة) وعدد من القبائل قاتلوا سيد كندة ولاحظ الباحثون غياب أي ظواهر ولاء للوطن واستعداد القبائل للوقوف بصف الغريب طالما إقتضت المصالح [169] فالقبائل لا تعرف وطناً ولا قومية إلا قومية القبيلة وبقيت تلك المشكلة عالقة إلى اليوم حول مفهوم القبائل في اليمن للوطن ومدى قدرتهم على الإيمان بالجنس أو القومية الوطنية الجامعة فوق القبيلة [170]
إستمر الإقتتال لفترة حتى وصل لأسماع المتقاتلين "أصوات البكاء" عن تصدع هو الثالث وقبل الأخير أصاب سد مأرب كما يقرأ من النص المسندي الذي يعود لعام 542 ميلادية [171] فتوصلوا لهدنة لإعادة ترميم السد وكان آخر ترميم يجرى عليه [172] نسبوا إلى أبرهة هذا قصة بعد الإسلام لم يرد عنها نص مدون بخط المسند ولا كتابات البيزنطيين ولا أي حضارة مجاورة عاصرت هذه الفترة وحاكوا حوله قصصا وأساطير كثيرة كعادتهم إزاء أي شخصية تاريخية أثرت عليهم [173] اخترعوا له قصة عن طير تخرج من البحر أصابته ولم يحفل أي شخص في العالم بتدوين ذلك. ومعد التي ورد ذكرها وإن تحول إلى جد مزعوم في كتابات أهل الأخبار، هو حلف لقبائل عديدة يجمع شملها هذا الإسم [174]
لاتوجد كتابة تشير يشير إلى الحقبة الفارسية في اليمن فتاريخ البلاد يكاد يكون مجهولا خلال هذه الفترة سوى ماتوارد عن كتابات بيزنطية بسيطة عن عن سيطرة الفرس على عدن [175] وبضعة أساطير عربية دونت في العصر العباسي لا ترقى بإن تُسمى تاريخاً ولكنها تعطي لمحة عن هذا التاريخ. ودخل اليمن عصرا من الانحطاط قبيل الإسلام مما مكن مكة بأن تصبح مركزا تجاريا مهما بل ربما الأهم في الجزيرة العربية لبعدها عن مراكز الصراع [176] حكم الحميريين كاذواء فلا سلطة حقيقية تذكر لهم خلال هذه الفترة إلا على قبائلهم ويقول صاحب المفصل :" أستطيع أن أقول إن حكم الفرس كان حكمًا شكليًّا، مقتصرًا على بعض المواضع، أما الحكم الواقعي فكان للأقيال. ولا عبرة لما نقرأه في الموارد الإسلامية من استيلاء الفرس على اليمن، لأن هذه الموارد تناقض نفسها حين تذكر أسماء الأقيال الذين كانوا يحكمون مقاطعات واسعة في أيام حكم الفرس لليمن، وكان منهم من لقب نفسه بلقب ملك، وكان له القول والفعل في أرضه، ولا سلطان للعامل الفارسي عليه" وتمت المبالغة في تصوير حكم أكسوم وفارس لتصوير الإسلام على أنه جالب الحرية والاستقلال للعرب فكما يقرأ من التاريخ لمتناقض في كتابات أهل الأخبار، قبيلة واحدة من قبائل اليمن (مذحج) إستطاعت طرد الفرس دون عناء بقيادة الأسود العنسي [177] إستفرد أحد الساتراب بالحكم في العام 598 ميلادية ودخل أحد هولاء إلى الإسلام حتى طردهم الأسود العنسي وأعلن نفسه نبيا وملكا على اليمن وقتله مسلمون يمنيون وأحد بقايا الفرس المدعو فيروز الديلمي وفقا لمصادر متأخرة عن هذه الأحداث.
ممالك صغيرة[عدل]
كان النظام في العربية الجنوبية شبه فيدرالي إذ كانت القوة في يد أربع ممالك رئيسية (قبل حمير) وهي سبأ وحضرموت وقتبان ومعين ويندرج تحت هذه الممالك ممالك صغيرة يشار إليها بألفاظ تدل على تبعيتهم لإله المملكة الكبرى. من هذه الممالك مملكة سمعي وهي مملكة صغيرة وأساس وأصل قبائل همدان وكانت تحت اللواء السبئي طيلة وجودها. ومملكة هرم وإنابة ونشق ورعين والمعافر ونشأن وهي ليست ممالك مؤثرة بل صغيرة وإن جمع بعض من طقوسها التعبدية وآلهتها. وكان هناك ممالك أخرى أكبر من المذكورة آنفا وأكثر أهمية مثل ممالك كندة وديدان ونجران وأهمية هذه الممالك تكمن في تأمين الطريق التجارية وربط اليمن بالأسواق التجارية في العراق وفارس واليونان ومصر وروما وغيرها من المحطات التجارية المهمة.
مملكة أوسان[عدل]
مقالة مفصلة: مملكة أوسان
عرفت هذه المملكة باسم "أوسن" وتواجدت جنوب مملكة قتبان دمرها كرب إيل وتر وبقيت مملكة صغيرة تابعة في غالب تاريخها وكانوا من أبناء الإله ود [178] وجدت الكثير من التماثيل المصنوعة من الذهب منقوش تحتها أسماء الملوك ولكن يظهر أنها تعرضت لكسر وقد يكون لحملة سبأ عليها سبب في ذلك إذ دمر السبئيون قصرهم الملكي وأمر كرب إيل وتر بإزالة كل النقوش وتدمير الكتابات عنها كما ورد في "كتابة صرواح" التي دونها هذا الملك في القرن السابع ق.م. ويبدو أنهم كانوا مملكة قوية في بداياتهم إذ جاء في كتابات اليونان أنهم كانوا يسيطرون على ساحل زنجبار في أفريقيا [179][180] ولم يكونوا ليتجاوزوا الساحل الغربي لليمن لشرق أفريقيا لو لم يكونوا مملكة قوية ولها سيطرة محكمة على مناطق واسعة من العربية الجنوبية. إلا أن أطماعها في التوسع انتهت بعد قضاء السبئيين عليها.
مملكة دمت[عدل]
بقايا معبد المقه في شمال إثيوبيا قرب أكسوم التي بناها السبئيين القادمين من اليمن في القرن الثامن ق.م وهو أقدم شاهد على حضارة قديمة في تلك البلاد
[181]
هي مملكة صغيرة قامت في شمال أثيوبيا في القرن الثامن ق.م والكتابات عنها قليلة للغاية ودونت بخط المسند وهي أقدم الممالك بشواهد أركيولوجية في أثيوبيا [182] لايعرف الكثير عن هذه المملكة وهناك اعتقاد أنها مملكة قامت من قبل السكان الأصليين لتلك المناطق بتأثير سبئي والبعض يعتقد أن مؤسسيها كانوا سبئيين قدموا من اليمن وإختلطوا بسكان تلك المناطق وباختلاف الآراء إلا أن التأثير السبئي واضح [183] بالكاد يمكن الكتابة عنها وعن تاريخها أي شي. وليس من المعروف ماإذا كانت هذه المملكة مرحلة سابقة لمملكة أكسوم أم أنها إحدى الممالك الصغيرة التي سيطر عليها هولاء الأكسوميين فتاريخ إثيوبيا شبه مظلم قبل مملكة أكسوم التي قامت في القرن الأول للميلاد ولايوجد لها ذكر قبل ذلك [184] فالتاريخ الإثيوبي بدأ بقدوم السبئيين وإحتكاكهم بالكوشيين فهناك اعتقاد أن سكان المناطق الشمالية لإثيوبيا هم نتاج هذا التزاوج ويظهر اختلاف ملامح بعض المجموعات الإثنية وطباعها عن مناطق أخرى في أفريقيا وأثيوبيا جليا [185]
مملكة جبان[عدل]
هي مملكة تابعة لقتبان وصل ذكرها عند اليونانيين ويبدو أنهم كانوا أشراف وتجار كبار في المملكة القتبانية[186] إذ ذكر اليونان أنهم كانوا محتكرين لتجارة اللبان وتبعد مدينتهم "نجية" حوالي 148 ميل عن غزة [187]
مملكة نجران[عدل]
على الرغم من كثرة ذكر نجران في نصوص عربية جنوبية مختلفة فإن علم الباحثين عنها قليل للغاية. كانت مطمعا للسبئيين والحميريين وتعرضت للغزو والإحراق مرار من باب إخضاعها وهي دلالة على أهمية موقعها كمحطة للقوافل. وذكرها ملك المناذرة باسم "مدينة شمر" ويقصد شمر يهرعش [116] وورد في نص اتجاه قوات منها نحو "نباطو" (مملكة الأنباط) وانتهت بإنتصار هذه القوات [188] للأسف لايعرف الكثير عنها رغم كثرة ذكرها في نصوص سبئية وقد تقود الاكتشافات في منطقة نجران لاكتشاف تاريخ هذه المنطقة وكل مايوجد في كتابات الإخباريين عنها أن قصة الأصحاب الأخدود وقعت بها وأن سكانها من المسيحيين باهلوا النبي محمد.
مملكة كندة[عدل]
جزء من لوحة جدارية ممزقة تظهر رجلا في أقصى اليسار مقلداً بالتاج في القرن الأول/الثاني بعد الميلاد قرية الفاو عاصمة مملكة كندة
مقالة مفصلة: مملكة كندة
لم يقم بني كندة مملكة في اليمن بل قامت في البداية في قرية الفاو وهناك نص يشير إلى وجودها في القرن الثاني ق.م وعرفت في كتب التراث العربي بلقب " كندة الملوك " [189][190] ويظهر أن أهل الأخبار كانوا على دراية بتسمية "آل ثور" المشيرة إليهم في نصوص المسند فصيروا "ثور" هذا جدا للقبيلة كلها والغالب أنهم أسرة أو فرع منهم لغياب التسمية (آل ثور) للقسم الموجود في اليمن [191] كانت مستعمرة سبئية جنوب نجد هدفها إقامة حاجز بين مملكة سبأ والبدو[192] بلغوا أوجهم أيام مملكة حمير فضموا البحرين والقطيف والإحساء وضعفوا كثيراً بعد مقتل الحارث بن عمرو الكندي فاضطروا لمحالفة بيزنطة وبقيت لهم مشيخة على دومة الجندل حتى آخر أيام النبي محمد [193]
مملكة هرم[عدل]
مملكة صغيرة نشأت في شمالي محافظة الجوف في مدينة "كمنهو" (كمنه حاليا) كنت تابعة لمملكة أوسان حتى غدت من أتباع سبأ بعد حملة كرب إيل وتر[194]
مملكة نشق[عدل]
مجسم لرجل في مملكة ديدان يعود إلى القرن الرابع ق.م ويبدو أنه محاكاة للفراعنة المصريين القريبين منهم [195]
مملكة صغيرة قامت في محافظة البيضاء حاليا وكانت تابعة لمعين دمرها السبئيون هي ونشأن وأستوطنوا فيها ولايعرف الكثير عن هذه الممالك الصغيرة لقلة الأبحاث حولها [196]
مملكة ديدان[عدل]
هي مملكة تابعة لمملكة معين من القرن الخامس ق.م حتى بدايات الأول ق.م [197] قامت في الأجزاء الشمالية الغربية من شبه الجزيرة العربية وأغلب الظن أنها مرحلة سابقة لمملكة لحيان حيث يعتقد بعض الباحثين أن اللحيانيين كانوا من سكان العربية الجنوبية لورود نص يشير إلى قيل لحياني في اليمن اسمه "أب يدع ذو لحيان" وإستوطنوا ديدان جنوب أراضي الأنباط فلما ضعفت حكومة المعينيين في اليمن إستولى اللحيانيون على المملكة وأسموها على اسم قبيلتهم [198] وليس بين الباحثين اتفاق على أصولهم تحديدا ويرى جواد علي أن المعينيين كونوا مستعمرات في أعالي الحجاز منذ القرن الخامس قبل الميلاد ووصفهم باللحيانيين أيام قوة المعينيين, وهدف هذه المستعمرات هو تأمين الطريق التجارية من اليمن إلى الشام [199] ووفقاً، لورنر كاسكل [200] :
الجدير بالذكر هو أن العهد القديم لديه الكثير ليقوله بشأن السبئيين وواضح أنه صامت بشأن المعينيين ولكننا نجد ذكرا لديدان وظهر في سلسلة الأنساب الموضوعة في العهد القديم كأخ لسبأ (تكوين 10:7) وهو ماله تفسير واحد، عندما يتحدث العهد القديم عن الديدانيين فإن المقصود هو معين والسبب في ذلك الاستخدام واضح، وذلك لأن قوافل مملكة معين العربية الجنوبية كانت تتوقف في ديدان ولا تجاوزها، فيقوم مواطنيهم في تلك المستعمرة بنقل البضائع إلى محطات أخرى؛هدف هذه المستعمرة هو تقصير مشقة السفر على المعينيين
أغلب بضاعتهم القادمة جنوب شبه الجزيرة العربية كانت موجهة لمصر واليونان ويعتقد كاسكل أن اللحيانيين إستولوا عليها في منتصف القرن الثاني ق.م قرابة 150 ق.م فقد كان المعينيون يسيطرون على أعالي الحجاز من القرن الخامس ق.م بمساعدة من الأنباط بدلالة أن أول ملوكهم كان نبطيا ثم عادت للحيان مستغلين ضعف مملكة معين وحروبها مع مملكة سبأ[201] ويرى جواد علي أن اللحيانيين من سكان العربية الجنوبية وإستولى الحميريين على أراضيهم هناك أواخر القرن الثاني ق.م وقد عدهم بلينيوس الأكبر في جملة الشعوب العربية الجنوبية كذلك[202]
الدين[عدل]
دعاء منقوش على يد من البرونز موجه لإله قبيلة همدان تألب ريام.الدعاء موجه من شخص يدعى "وهب تألب بن حسام ذي سمعي" شاكراً إلهه على نجاته في معركة ضد الحميريين أو كذلك إستنبط علماء الآثار بسبب ذكر ظفار يريم وهي عاصمة مملكة حمير
مذبح الإله عثتر أكبر ألهة العرب الجنوبيين باختلاف القبائل
"محرم بلقيس" والحقيقة أن لا علاقة لبليقس بالحرم إنما إلتصقت به التسمية عند العامة واسمه معبد برأن
كان المجتمع اليمني القديم مجتمعا متدينا ويستدل على ذلك اعتبار الكهنة أعلى طبقة اجتماعية في البلاد والضرائب المفروضة للإلهة وكثرة المذابح والنقوش المصورة لوعلان وثيران وهي حيوانات كان اليمنيون يكثرون من التضحية بها. قدس اليمنيون عثتر والمقه وسين وود وعم. وكانت العقائد إن صحت تسميتها تتمحور حول ثالوث الشمس والقمر وإبنتهما كوكب الزهرة وهو افتراض مشكوك فيه من قبل بعض الباحثين [203] ولكن لايمكن إغفال العلاقة والتشابه بين معتقدات اليمنيين القدماء والكنعانيين. الآلهة الرئيسية كانت عثتر ومن ثم المقه وعم وود وسين تليها آلهة القبائل الخاصة كتألب ريام الهمداني و"كهلان" أو كاهل إله مملكة كندة ومذحج [204] قدست سبأ المقه وقدست حضرموت سين وكان عم إله قتبان وود إله مملكة معين.
عثتر هو النسخة الذكرية من الإلهة عشتار كما يعتقد البعض ولكن أبحاث جديدة تظهر ميثولوجيا مختلفة قليلا فترجح أن عثتر كان أنثى كما تشير إليه النصوص اليمنية "أم عثتر" وإنقسم إلى قسمين، إله ذكر وإلهة أنثى كانوا أب وأم البشرية جمعاء [205] عثتر هو أكبر آلهة اليمن ووالد الآلهة كلها والشعب اليمني القديم باختلاف قبائلهم[206] ورغم اختلاف الباحثين في تحديد فترة نشوء سبأ هناك دلائل على قيام المملكة قبل القرن التاسع سماها بعض الباحثين بالفترة "المهجورة" (إنجليزية:Archaic) وهي الفترة في القرن الثاني عشر والثالث عشر ق.م [207] فقد وجدت كتابات تشير إلى عثتر كالإله الرئيسي لقبيلة سبأ ويعتقد أن دخول المقه في المعتقدات السبئية هو نتيجة لدخول قبيلة "فيشان" (قبيلة الملك كرب إيل وتر) في سبأ فأصبحت سبأ تجمعا عشائريا كبيرا يضم عددا كبيرا من القبائل وأنعكس هذا على ديانتهم فكثرت آلهة سبأ كنتيجة لهذا التحالف [208] وكان للثور أوالعجل قدسية خاصة في اليمن القديم وغيره من حضارات الشرق الأدنى لتشابه قرونه مع القمر.
المعينيون كانوا يصفون إلههم الأكبر ووالدهم ود بلفظة "كهلن" وكلمة "الكهل" وتعني القدير بلغتهم والأب تعبيرا عن عطفه عليهم وكانوا يؤمنون أنه ضحى بحياته من أجلهم ولذلك كثرت عبارات الرحمة والعطف والحكمة اتجاهه فأسموه "صدوق" (الصادق) و"لعزز" (العزيز) و"حكمن" (الحكم) و"حرمن" (المحرم) و"رضى" (الرضي) و"رحمن" (الرحمن) [209] وكانوا يسمون أنفسهم "هود" أي أبناء ود[210] وقدس المعينيين الآله منضح وهو مسؤول عن السقيا والماء والإله بلو وهو إله المصائب والبلاوي والإله رفوا وهو إله حماية الحدود والإله حلفن وهو إله القسم والتعهدات فيقسم به عند عقد الاتفاقيات والمعاهدات والعقود التجارية [211]
أما سبأ فإلهها الأكبر المقه واختلف الباحثون حول معنى اسمه فالألف واللام أول اسمه ليست أداة للتعريف فأداة التعريف عن العرب الجنوبيين كانت الحرف نون في آخر الكلمة. وأغلب الظن أنها "إيل مقه" وإيل هو الإله الكنعاني القديم واسمه "إيل عليون" وتعني إيل العلي وكان يظهر في أسماء اليمنيين بكثرة مثل وهب إيل وشرح إيل وهي شراحيل وشرحبيل (شرحب إيل) وكربئيل والتي تعني القريب من إيل [212] و"إيل شرح" وتعني "نصر إيل" أو " إيل المتلألئ" [213] ومن المؤكد أن الإسرائيليين قدسوه كما يظهر من أسمائهم مثل صامويل وهي صامو إيل وميكائيل وجبرائيل ووماشابهها من الأسماء. وكلمة مقه تعني "قوي" فيكون معنى الإله اليمني "إيل مقه" هو "إيل القوي" [214] "إيل الحافظ" [215] وربط بعض الباحثين بين اسمه ومدينة مكة مفسرين كلمة "مقه" السبئية بمعنى معبد فيكون معنى اسمه رب أو إله المعبد[216] وقد كان السبئيون واليمنيين بشكل عام يقلبون القاف كافا كما في كلمة مكرب السبئية والتي تعني "مقرب"[216] تزداد عدد الآلهة بإزدياد عدد القبائل. انضمت الإلهة "هبس" وهي زوجة عثتر إلى مجمع الآلهة السبئي مبكرا في القرن السابع ق.م [217] وكانت مسؤولة عن الأرض اليابسة والجافة [218] أما المقه فهو إله الدولة ورمزها وبني له أربعة وثلاثين معبد أشهرهم معبد أوام وبرأن [219]
وسين هو إله القمر عند الحضارم كما هو في آشور وبابل وتشير الرموز إليه بهلال ونقطة فوقه كما وجد في عدد من المباخر القديمة [220] اسمه وفق المتخصصين في اللغات السامية هو "ياسين"[221] لا يزال اليمنيون إلى اليوم يستدعونه عند وقوع مكروه أو دفعه عنهم بعبارة "ياسين عليك" دون أن يقصدو الإله القديم نفسه بالضبط إنما ظل مكبوتاً في لاوعيهم [222] والياء هي صيغة النداء والترجي عند اليمنيين القدماء لكل الإلهة فقد جاء ورد اسم إل مقه بصيغة "يلمقه" كذلك [223] ويرجح عدد من الباحثين أنه المقصود في سورة يس [222] والحلف بالنجوم الكواكب في القرآن ورد أكثر من مرة وتحدث عنه المفسرون [224]
كان لبعض الآلهة مواسم صيد مثل موسم "صيد عثتر" ويعتبر هذا الموسم طقسا تعبديا يمثل الأسطورة أن الإله عثتر حاول قتل الإله بعل ولايزال اليمنيون إلى العصر الحالي لديهم موسم صيد (مقناص) مخصص لصيد الوعول ويرمز الوعل للإله عثتر والهدف من صيده جمع قرونه والمشاركة في طقس قديم لايعرف اليمنيون مغزاه ومعناه جيدا سوى أنه متوارث عن أبائهم [225] والوعل ليس تجسيدا لعثتر بل لإن الوعول كانت حيواناته المفضلة [226] وأسطورة قتل بعل ليست يمنية بينما هناك أسطورة يمنية تقول أن عفريتا في الصحراء كان يطلب من الناس أن يقدموا بناتهم أضحية فقتله بطل أسطوري وكان هذا البطل عثتر [227] ومنهم من قال أن العفريت كان الإله إيل الذي توقف اليمنيون عن عبادته ولم يبقى يظهر إلا في أسمائهم [228] تراجعت أهمية الآلهة تدريجيا حتى وحد الحميريين الآلهة واعتبروا رحمن إلها أوحد وقدسوه وحده إلى أن دخلت اليهودية والمسيحية إلى اليمن فجعلوا رحمن هذا والد المسيح. وقد مرت هذه الإعتقادات التوحيدية بعدة أطوار فقد كان ذو سماوي أو "ذو سموى" بلغة المسند يذكر مقرونا بعدد من الأصنام بداية حتى أصبح إله الأرض والسماء الأوحد ثم ترسخ التوحيد وأهملت الآلهة الأخرى وتم تقديم الإله رحمن وحده في صيغ التعبد غير مقرون بآلهة أخرى ولا حتى أقوام أخرىن كالمسيح أو رب اليهود وهو مايقلل من فرضية أن التوحيد دخل اليمن بتأثير من اليهود والمسيحيين إذ عرف الباحثون ديانة الرحمن هذا باسم " التوحيد الحميري " (إنجليزية: Himyarite Monotheism) لخصائص لم توجد في أديان أخرى [6][229]
استطاع الأركيولوجيين معرفة لمحة بسيطة عن معتقدات اليمنيين عن حياة بعد الموت، فقد وجدت عدة مقابر لجثث محنطة موضوعة داخل أكياس من الجلد مع ترك الرأس خارجا دون تغطيته في مشهد يشبه الولادة، فاعتبر اليمنيون الموت مرحلة لحياة أو ولادة من جديد [230]
يطلق على المعابد في اليمن لفظة "حرم" و"محرم" وكان يحرم دخولها بملابس متسخة وتمنع النساء من دخولها خلال فترة الحيض [231] ويظهر أنه كان لليمنيين طقوس تعبدية تدعى "طوف" (طواف) حول الحرم لها علاقة بالطهارة الروحية يعقبه اعتراف بالذنوب للكهنة وتقديم القرابين التي غالبا ماتكون من حيوانات مفضلة للآلهة وهي الوعلان والغنم والخراف والثيران وتقديم القرابين عادة مايكون لغفران الذنوب أو لشكر الآلهة أملا في زيادة عطاياها [232] واكتشفت عدة حالات تضحية بالبشر وعادة مايكونون من الغرباء عن المملكة الذين يقعون في الأسر [233]
الاقتصاد[عدل]
حصر الأمطار وإيصال المياه للمرتفعات الجبلية، نظام سبئي قديم وأقدم نقش يشير إليه يعود للقرن السابع للميلاد في كتابة صرواح التي خلدها الملك كربئيل وتر
بقايا سد مأرب القديم
مباخر يمنية قديمة والهلال والنقطة أعلاه تشير إلى الإله سين
الزراعة والتجارة وبالذات البخور والعطور والطيب لما لها من أهمية عند الشعوب القديمة لمعتقدات متعلقة بطرد الأرواح الشريرة من المنازل والمعابد وماشابهها من الطقوس التعبدية في العالم القديم، كانا عماد الاقتصاد اليمني وكان اليمنيون أكثر من بقية سكان الجزيرة العربية ميلا وتعلقا بالزراعة حتى إن الباحثين يعتبرون اللهجات العربية الجنوبية تمتلك ألفاظا زراعية أكثر بطبيعة الحال من المناطق الصحرواية في وسط الجزيرة أو الصخرية في شمالها ولم يعثر على شي يفيد بتقدم نظام زراعي في المناطق الشرقية للجزيرة العربية رغم أن سكانها مزارعين. وكان لنظام الري وحصر مياه الأمطار أثر كبير في تطور الزراعة في اليمن فقد أبتكر اليمنيون القدماء نظام ري قل نظيره في العالم وأستطاعوا ري الكثير من الأراضي الجدبة وشبه الصحراوية حتى أوصلوا الماء للمرتفعات الجبلية كما يذكر في نقش "كتابة صرواح" الذي خلده ملك سبأ كرب إيل وتر. وكان لهم مصطلحات زراعية مثل "أنخل" ويقصد بها الأرض التي يكثر بها النخل و"موفرن" وتعني الأرض الخصبة الوفراء [234] وكلمات أخرى مثل "وثن" وهي الحد الفاصل الذي يفصل الممتلكات والأراضي الزراعية من الأحجار ولايزال اليمنيون إلى اليوم يسمون أي تجمع لحجارة "وثن" [235] أما المدرجات في المرتفعات الجبلية فقد سماها اليمنيون القدماء "جربة" وهي مشاهدة في اليمن وعسير إلى اليوم [236] وقد إهتم اليمنيون بالزراعة وتظهر الآثار تقدما في هذا الجانب على أماكن زراعية أخرى في شبه الجزيرة فبنوا السدود الصغيرة في كل واد وحوطوا المدرجات الجبلية بصخور ومجاري لحصر مياه الأمطار وتوجيهها الجهة التي يريدون عن طريق قنوات من عصور قديمة تعود إلى الألفية الثانية قبل الميلاد [237] ولاتوجد أنهار في اليمن فبدأ اليمنيون بالزراعة متأخرا مقارنة بحضارات أخرى في الشرق الأدنى ووجدت بعض آثار لنظم زراعية تعود 5،200 سنة [238] وإذا إنحبس المطر, صلى اليمنيون لآلهتهم طلبا للسقيا وكان لديهم سقيتان، "سقي خرف ودثا" أي "سقي الخريف والربيع" وإن أنعمت عليهم الآلهة قدموا لها القرابين شكرا وتقديرا لأفضالها عليهم [239] ويقال للمطر "ذنم" في اليمن وهو عماد الحياة الاقتصادية فبدونه جدبت أرضهم لعدم وجود أنهار في البلاد كما تقدم وهو سبب الرئيسي للجوئهم للوسائل الصناعية واستخدام أياديهم وعقولهم لحفظ المياه. فحفروا الصهاريج المعروفة باسم "نقب" في حضرموت وتراوحت أعماقها من ثلاثة إلى أربعة أمتار وتوصل بمجاري تحت الأرض يبلغ طولها عدة كيلومترات لإيصال المياه إلى المزارع والسكن [240] وبرع اليمنيون في بناء السدود أو "عرمن" (العرم) كما تذكر في اللغة القديمة وكان الملوك يدفعون الأجور للعمال أو "الآدم" وفي حالات عديدة كانوا يستعملون العبيد في حالات الطوارئ [241] فيعتقد أن سد مأرب بني في القرن الثامن قبل الميلاد [242] ومر هذا السد بأطوار عديدة وتعرض للتصدع عدة مرات آخرها في العام 575 للميلاد ولم يكن بالإمكان إعادة ترميمه حينها لتردي الأوضاع في اليمن قبيل الإسلام ووجود القوى الأجنبية في البلاد (الفرس) فانهار السد وجدبت الأراضي التي كان يرويها وأصبحت صحراء قاحلة جدباء [243] أقام المهندسون اليمنيون في القرن الثامن قبل الميلاد سدا قويا في الجهة التي تخرج منها السيول إلى المجاري عرف باسم "رحبم" وكان طوله قرابة 577 مترا وكان هذا السد هو حجر الأساس لسد مأرب الكبير الذي أقتطعت حجارته من الجبال ونحتت بإتقان وتم إيصالها ببعض باستخدام قطع من قضبان إسطوانية مصنوعة من الرصاص والنحاس يبلغ طول الواحد منها 16 سنتمترًا، وقطرها حوالي الثلاثة سنتمترات ونصف. وذلك بصب المعدن في ثقب الحجر، فإذا جمد وصار على شكل مسمار يوضع الحجر المطابق الذي صمم ليكون فوقه في موضعه بإدخال المسمار في الثقب المعمول في الجهة السفلى من ذلك الحجر، وبذلك يرتبط الحجران بعضهما ببعض برباط قوي محكم. وقد اتخذت هذه الطريقة لشد أزر السد، وليكون في إمكانه الوقوف أمام ضغط الماء وخطر وقوع الزلازل [244][245] وبنيت الكثير من السدود المشابهة والمتصلة ببعضها البعض وقل مثيل هذه السدود في العالم القديم باستثناء اليمن, فقد تغلب اليمنيون على تضاريس بلادهم وسخروا الطبيعة لخدمتهم [246][247]
أما التجارة، فقد نشأ سوق العطور والبخور منذ الألفية الأولى قبل الميلاد على الأقل في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا. وأهمية البخور تكمن في المعتقدات السائدة حينها عن الجن والأشباح والعفاريت إذ كانت مرتبطة بطقوس دينية عند كثير من الشعوب. ولم تكن هذه المحاصيل تزرع إلا في شرق أفريقيا واليمن والهند وهو سبب اهتمام اليمنيين بسواحل أفريقيا كونها مصدر المحصول الأكثر طلبا في العالم القديم. حتى أن الملكة المصرية حتشبسوت حاولت زرع هذه المحاصيل في مصر فلم تستطع [248] وهناك خلاف بين الباحثين في تحديد مكان بلاد البنط المذكورة في نص دونته هذه الملكة المصرية ويبدو أنها الأرضين الواقعة غرب اليمن وشرق أفريقيا [249] ويسمى التاجر "مكر" في اللغة القديمة في مقابل "تمكرو" بلغة الآشوريين [250] وذكر اليونان قوافل اليمنيين وكيف أنهم كانوا أثري سكان الجزيرة العربية وكانت ثرواتهم مطمع الكثير حتى ذكر في العهد القديم أن السبئيين سيقدمون بالذهب معظمين لملك اليهود المنتظر [251] وبغض النظر عن صحة القصة، هي دلالة على اتصال تجاري بين السبئيين واليهود أو العبرانيين فكل الوارد عنهم في كتب اليهود من هذا القبيل وكان السبئيون يشترون العبيد والجواري منهم [252] ويستدل على ثراء السبئيين نصوص آشورية تشير إلى تلقي ملوك آشور هدايا من الذهب والفضة، قد تكون هدايا أو قد تكون ضريبة تدفعها الحكومات للسماح لتجارها بالإتجار في الأرض المعنية [253] وكان اليمنيون يسمون آشور "آشر" و"عبر نهرن" [254] وقد أشير في التوراة إلى قوافل سبأ، وهي قوافل كانت تسير من العربية الجنوبية مخترقة العربية الغربية إلى فلسطين، فتبيع ما تحمله من سلع هناك. وقد كان السبئيون يسيطرون على العربية الغربية، حتى بلغت حدود مملكتهم أرض فلسطين ويُعتقد أن أهل يثرب كانوا أحد المستوطنات اليمنية التي أنشأها السبئيون على طول الطريق التجارية المحاذية للبحر الأحمر [255][256] وكان لليمنيين تجارة مع مصر القديمة بلا شك حتى إن بعض اليمنيين وأغلب الظن أنهم من "معن مصرن" (مملكة معين المصرية) عمل برتبة "أويب" وأنتخبه كهنة المعبد المصري كاهنا وذلك بالطبع ليضمنوا حصولهم على البخور والمر بأسعار معقولة من اليمنيين وتهربا من دفع الضرائب واسم هذا الكاهن الغير مصري "زيد إيل" [257]
رغم ورود كتابات عن سيطرة اليمنيين على سواحل في أفريقيا فإن الوارد عن التجارة البحرية قليل مقارنة بالبرية. كان لحضرموت ارتباط مع الهند وموانئ أهمها ميناء قنا الذي يبعد عن مدينة المكلا قرابة 120 كيلومتر. ولايمكن للحضارم أن يصلوا للهند لو لم يكن لهم دراية وخبرة في صنع السفن [258] ولكن السفن العربية لم تكن بمستوى الرومانية التي بنيت لظنون عند الرومان أن اليمنيين كانوا يملكون أسطولا بحريا قويا كما قال مرافق أيليوس غالوس سترابو فقد كان أغسطس قيصر يعتقد لما رآه من هيئة التجار والقوافل أن السبئيين أهل قتال فأراد السيطرة عليهم فإما يكونوا أصدقاء أو يكونوا خاضعين ولايضطر الرومان لدفع مبالغ طائلة لقاء البضائع كون السبئيون كانوا متحكمين في أسعارها [259]
اللغة[عدل]
إناء بكتابة عربية في عصر الدولة الأموية يوضح اختلاف القلم القرآني قديما عما هو عليه اليوم
كتابة قتبانية
العربية الجنوبية القديمة كانت اللغة المستخدمة في اليمن مع اختلافات بسيطة بين لهجات القبائل فقسمها الباحثون لأربع لغات هي لهجات حقيقة وهي لغة سبئية ولغة قتبانية ولغة معينية واللغة الحضرمية أما الحميرية فلا تنتمي لهذا التصنيف [260] مرت اللغة بعدة أطوار فاللغة المكتشفة على النقوش في القرن التاسع والثامن ق.م تختلف عن تلك التي كتبت بعد الميلاد فاللغة تتطور ولا تبقى بشكل واحد ودخلت عليها كلمات عبرية وآرامية في فترة ما بعد الميلاد كنتيجة طبيعية للإحتكاك. كانت اللغة تدون باستخدام نظام كتابة متعلق ولكنه ليس متطورا عن الأبجدية الفينقية القديمة [261] فهو يزيد بسبعة حروف عن الفينقية ودون في نفس الفترة تقريبا (الألف قبل الميلاد) فلم ينبت المسند عن القلم الفينيقي ولكنه نبت من نفس الأصل وهو الأبجدية السينائية الأولية لذلك يعد أحد أقدم الأبجديات في العالم [262] وهو خط الكتابة العربي الأصلي ولم يطور سكان المناطق الأخرى في شبه الجزيرة العربية نظام كتابة خاص بهم فأستعاروه وعند انتشار المسيحية في جزيرة العرب إستعاروا أبجدية السريان لإنها أسهل وأبقى اليمنيون على المسند [263] يعتقد أن استخدام خط المسند بدأ في القرن العاشر ق.م وتوقف في القرن السادس بعد الميلاد أي أنه كان نظام كتابة مستخدم في اليمن لمدة تزيد عن الألف وخمسمئة سنة من تاريخ البلاد [264] توقف استخدام القلم (على مايعتقد) قرابة ستين سنة قبل بعثة النبي محمد والمؤكد أن دخول اليمنيين في الإسلام ساهم في ذلك إذ استبدلت بالأبجدية التي دون بها القرآن وهي أبجدية نبطية [265] والخط "العربي" اليوم لا يشبه ما كان مدونا في بدايات الإسلام.
توقف استخدام النص لم يعني توقف استخدام اللغة فقد تطورت اللغة ويمكن ملاحظة ذلك على لهجات اليمنيين الحالية بل إنه من المؤكد أنه كان لليمنيين لهجة قبيل الإسلام ويستدل على ذلك كتاب النبي محمد إلى وائل بن حجر [266] بل ورد أن بعض أهل اليمن كانوا ينطقون الجيم مصرية في صدر الإسلام ويستبدل الكاف آخر الكلمة فيجعلها شين فيقول "لبيش" يقصد "لبيك" [267] وبعضهم يقلب أداة التعريف الألف واللام أول الكلمة بألف وميم فيقول "أمبارح" يقصد البارحة و"أمبر" يقصد "البر" [268] ويقلب الجيم ياء فيقول "المسيد" ويقصد "المسجد" [269] ومنها ماورد أن الحارث بن هانئ بن أبي شمر الكندي إستلحم (وتعني كثر عليه القتال) يوم ساباط فنادى "ياحكر، ياحكر" يريد بها حجر بن عدي الكندي لمساعدته وكلاهما يمنيان وهي دلالة قدم اللهجات اليمنية [270]
كتابة سبئية تعود للقرن الثامن ق.م
قسم العلماء اللغة القديمة إلى أربعة أقسام إضافة إلى عدة تفرعات هي :
سبئية : من القرن العاشر ق.م إلى القرن الأول ق.م [271]
سبئية وسطى : القرن الأول ق.م إلى القرن الرابع بعد الميلاد.
هرمية : لغة مملكة هرم وهي ضمن السبئية
سبئية وسطى : المتحدثة وسط اليمن
سبئية جنوبية : لغة ردمان
شبه سبئية (سبئية لاحقة وسبئية زائفة): المتحدثة في نجران وقرية الفاو
سبئية متأخرة من القرن الرابع الميلادي إلى السادس.
معينية: لغة الجوف والدولة المعينية (من القرن الثامن قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد).النقوش خارج معين توجد في ديدان، ومدائن صالح، وفي مصر، وجزيرة دلوس اليونانية.
قتبانية: لغة مملكة قتبان من القرن الخامس قبل الميلاد وحتى القرن الثاني للميلاد.
أوسانية: لغة مملكة أوسان، استعمال قليل جدا (حوالي 25 نقشاً أثرياً، من القرن الثامن إلى القرن الأول قبل الميلاد) لا يختلف شكلها عن القتبانية.
حضرمية: لغة حضرموت، توجد نصوص اللغة في جزيرة دلوس أيضا. من القرن اخامس قبل الميلاد إلى الرابع قبل الميلاد.
أغلب الكتابات المكتشفة وجدت منقوشة على ألواح أو على صخور ولم يعثر على كتابة ورقية بالحبر إلا أن هناك آثارا تاريخية تشير إلى استعمال الحبر في اليمن ولكن الورق والحبر أدوات سهلة العطب ولاتعيش كالنقش على الأحجار إن لم تولى رعاية خاصة وهناك أمل عند الباحثين أن يتم اكتشافها بزيادة أعمال التنقيب. أغلبها نصوص دينية وتعبدية أو تخليد إنجازات ملك وبناء معبد أو منزل ولم يعثر على كثير من النصوص الأدبية بعد. وكانت القوانين تكتب على صخور كبيرة ليراها العامة.
الزبور[عدل]
زُبُر مكتشفة في اليمن
كان هناك نوع آخر من الكتابة موجود في اليمن يسمى الزبور ولم يكن اليمنيين أميين بل تظهر الآثار قدرة الأعراب من أهل اليمن على القراءة والكتابة [272] قال المؤرخون العرب أن المقصود بالزبور هو سفر المزامير وأن اليمنيون كانوا يسمونه زبورا فغلب على السفر هذه التسمية [273] الزبور كان الأدعية والصلوات التي يكتبها عوام الناس من اليمنيين يوميا على أسعف النخل أو المصاحف وخلال رحلاتهم التجارية وتختلف الزبر عن المساند في أنها لاتكتب على ألواح أو صخور كبيرة أي أنها ليست شواهد وليست دينية بالضرورة فقد يكون بعضها يحتوي على أدعية وبعضها إيصالا أو فاتورة وكان ماعرف بالجاهليين العرب يعرفون ذلك عن اليمنيين فذكر الزبور باسم زبر وكيف أن أطفال الحميريين كانوا يستطيعون القراءة والكتابة [274][275] فالزبور المذكور في القرآن لا علاقة له بهذا الزبور فالقرآن ذكر أنه أنزل على داوود بينما كتابات الزبور عند الحميريين مختلفة وليست متعلقة بداوود بالضرورة ولكنه وارد فعدد من الحميريين كان يهوديا.